الرغبة في بلوغ السعادة هدف مشترك بيننا جميعاً، لكن الذي يفرق بيننا هو تنوّع السُّبل التي نعتقد بأنها تفضي - حقاً - إلى ذلك الحلم المنشود!

حين نقتنع بجدوى سبيلٍ ما.. حين ترسخ قواعده عميقةً في أغوار العقل والقلب.. تتأثر العواطف، وتتحفز العقول، وتُشمَّر السواعد؛ لتذليل كل صعبٍ في سبيل إتمام الدرب وبلوغ السعادة..

لكن الكارثة أن يجد الإنسان نفسه في خريف عمره قد سعى إلى سراب، وأخطأ طريق الصواب، فيجد - حينها - بأن أسعد لحظاته هي تلك التي ينتقم فيها من الحياة الظالمة.. ويتشفَّى من المجتمع غير المقدِّر.. من أولئك الذين وصلوا وخلَّفوه على طول الطريق.. من الذات التي لم تكن في المستوى المطلوب!

 

وهكذا.. طاقات كثيرة.. وأحلام كبيرة.. تضيع وتتشتَّت لغياب الهدف، وضبابية الرؤية العامة للذات والحياة!

 

أما أولئك الذين وضعوا خططهم الشخصية فأغلب الظن أنهم استطاعوا ترتيب حياتهم - بشكل عام - لبلوغ أهدافهم، وتحقيق أكبر إنجاز ممكن ضمن الوقت المتاح والإمكانيات المتاحة، مع تقليل مساحة الوقت الضائع والجهد المهدور، وإقصاء النشاطات والهموم غير المجدية، وتوزيع مهامهم بشكل يضمن التوازن للـ "أنا" بين المحاور الخمسة: (الروح - العقل - النفس - الجسد - القلب).

قد يهمك: (6 أشياء هي أنت)

 

ومع أن مفردات الخطة الشخصية وطريقة تطبيقها واقعاً بشكل ناجح يختلف بين شخص وآخر، لكن ثَمَّ قواعد عامة لوضع الخطة الشخصية رأيتها نافعة في هذا المجال، جوهرها في الخطوات الآتية:

 

الخطوة الأولى: اكتشف نفسك!

يقول سقراط: (اعرف نفسك بنفسك).

 

 

اسأل نفسك: من أنا؟

  1. مَنْ أنا مِنَ الناحية العلمية؟
  2. مَنْ أنا مِنَ الناحية العمليّة والمهنيّة؟
  3. مَنْ أنا مِنَ الناحية الفنيّة؟
  4. مَنْ أنا مِنَ الناحية الإدارية؟
  5. مَنْ أنا مِنَ الناحية الحياتية...؟

 

حاول أن تجمع هنا أدوارك في الحياة، وأهم الميزات التي تتميز بها عن الآخرين، وأهمّ نقاط قوتك، وأقوى مهاراتك، وأعلى إمكاناتك التي تستطيع بها أن تسدَّ ثغراً يعجز عن سدّه غيرُك.

تذكَّر جيداً أن معرفة (من أنت) وتقدير (من أنت) تغنينك عن كثير من المشكلات التي تواجهها في التعامل مع الآخرين؛ نتيجة عدم معرفة قَدْر ذاتك وقيمة إنجازاتك.

يقول سفيان بن عيينة: (من عرف نفسه استراح).

 

ما أهم المفردات التي أفكِّر بها في حياتي؟

دراستك، عائلتك، علاقاتك، ممتلكاتك، صحتك، طموحاتك، احتياجاتك... أمور تأخذ مساحة جيدة من تفكيرك، وتنحت تفاصيل شخصيتك وأنت ساكت، لذلك لا بد أن تنتظم مفرداتها في ذهنك، وتعي أثرها وطرُقَها في عقليتك لتكون مثمرة بعد حين.

 

 

إن الإنسان هو حرفياً ما يفكر فيه، وما شخصيته التي يراها هو والآخرون من حوله إلا حصيلة كاملة وعادلة لمزيج يحوي جميع أفكاره!

فراقب نفسك.. واقرأ إن شئت كتاب (الإنسان كما يفكر يكون) لجيمس آلان.

 

ما القواعد الأساسية في حياتي؟

جميل أن تحيط بمبادئك الراسخة في حياتك، وقواعدك المشرِقة التي تسير عليها، ويمكنك أن تجمع القواعد والمبادئ الإيجابية التي اكتسبتَها في حياتك، وتلتزم بها، مثال:

  • القاعدة رقم (1): فصل الصداقة عن العمل بشكل كامل.
  • القاعدة رقم (2): لا أسمح بالاستثناءات.
  • القاعدة رقم (3): التوازن مقدَّس، ولا يكون بغير التزام الخطة.

 

ماذا أريد؟

انظر في نفسك، واسألها: ما حلمك؟ ما طموحك؟ هل أنت فعلًا مستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق هدفك وطموحك؟ أن تقاسي آلام الحياة ومصاعبها لتحقيق ذلك الحلم؟!

 

 

إن كان جوابك على هذا السؤال: نعم، فاكتب إلى جانب كل مفردة - من المفردات التي تتميز بها والمهارات التي تتمتع بها - الفائدة المرجوة منها، وماذا ستفيدك هذه المفردة - بالذات - لو تطوَّرَت مستقبلاً وتحقَّقت على أفضل صورة في حياتك.

 

ثم بعد ذلك راجع بقية النقاط، وانظر ما الذي يمكن أن تطوِّره منها خلال السنوات الخمس المقبلة - مثلاً -، وما العوائق التي يمكن أن تعترضك في تلك المسيرة.

 

لماذا أريد ذلك؟

كثيراً ما نتمنى أموراً يُخيَّل إلينا أنها ضرورية، لكن بسؤال مباشر عن أسباب السعي إليها يظهر لنا بأنها ميول مزاجية، أو متمِّمات مجتمعية، أو مظاهر فارغة لمجاراة الأقران وتقليدهم في البيئة القريبة.. حين تخبو تلك الدوافع لسبب ما - كتغيير البيئة أو تقلُّب المزاج أو بروز أولويات أخرى - تخبو معها طموحاتها وأهدافها.

 

الخطوة الثانية: اكتشف موقعك!

 

 

بعد أن تجمع المفردات الممكنة في كل محور تنشط به في حياتك، اعمل على جمع (ميزاتك، ورغباتك، وهواياتك، وطموحاتك)، ودوِّنها على ورقة مرتَّبة حسب قوَّتها عندك، ثم تخيَّر من هذه المفردات الأكثر فائدة منها، واكتب إلى جانبها أقصى درجة يمكن أن تصل إليها في كل مفردة بتصورك، وهل تصلح عندها لأن تكون هدفاً مفيداً تسعَى إليه في الحياة، وهل تحقيق ذلك ممكن واقعاً، ومسموح به قانوناً وشرعاً؟

ثم اعمل على تقييم كل مفردة على حِدَة (فائدتها في ذاتها - وفائدتها لك - فائدتها لمن حولك)، مع بحث أسباب التقصير وطرق التطوير.

 

أين أنا الآن؟

وأقصد هنا أن تعرف مكانك من النواحي السابقة، بأن تحدِّد أين أنت الآن من نقطة الهدف، وتدوّن المراحل المتوقَّعة التي ستمرُّ بها لبلوغ النقطة المرادة، وما الوقت المتوقَّع للتَّنقل بين النقاط؟ ثم تجمَع البيانات التي تفيد في هذه الرحلة وتدعمها.

 

لماذا أنا هنا؟

سبرٌ عام لظروفك وأفكارك وعاداتك التي أودعَتكَ حيثُ أنت ينفعك في فهم ما مضى والاستعداد لما بقي، وكذلك ينفع أن تتذكر تلك الإشارات التي صادفتها على طريق الحياة، وتقرأ من خلالها منعطفاتك الحياتية والرسائل التي كانت ترشدك وتدفعك في اتجاهات الحياة.

 

الخطوة الثالثة: استكشف طريقك!

 

 

الحديث عن الكيفية حديث عن الخطوات العملية التي تنقلك من حيث أنت إلى حيث تريد أن تصل، ويكون ذلك بتحديد خطوات محددة واضحة ممكنة لكل مرحلة على طريق الهدف، ولكل محور من محاور الذات.

 

كيف أصل لما أريد؟

فكر جيداً في الأمور التي تحتاجها في طريقك، من الدورات والشهادات والقراءات والعلاقات والإمكانات والموارد...، وكيف ستعمَل على جمعِها واكتسابها بخطوات عملية واقعية ممكنة تفضي بك إلى الهدف.

 

متى أصِل لما أريد؟

إذا وجدتَ هدفك الرئيس، والأهداف الفرعية والمرحلية الأخرى مقنعةً ومجديَة وممكنة ومشروعة، فضع جدولاً زمنياً يكون أقصاه بلوغ الهدف.

لكن تذكر أن من علامات نجاح الخطة الشخصية ودلالات قابليتها للتنفيذ أن يمكن تنفيذ نسبة منها تتوافق مع زمن محدد من مدتها، كأن تنجز 20% من الأهداف المحددة في خطتك الخمسية خلال السنة الأولى منها.

وتذكَّر أيضاً أن التزاماتك الحياتية وهمومك وأدوارك تتزايد مع الوقت، خلافاً لهمتك وقدراتك الجسدية والذهنية التي تضعف مع إدمان المواجهة لمعوقات الحياة.

 

ما المعوقات المحتملة؟

جميل أن تدوّن في مكان آمن - كملف له كلمة سر، أو ورقة تحتفظ بها في مكان لا تصل إليه الأيادي - أن تدوّن أخطاءك التي تعرفها جيداً عن نفسك، ونقاط ضعفك ونقاط قوتك، وتجدّ في التخلص من المشكلات النفسية والاجتماعية التي تشكِّل عقبات تعيقك كل مرة على هذا الطريق...

ملاحظة: لا يمكنك التخطيط ما لم تحذف كلمة "الظروف" ، "الأوضاع" من قاموسك الذاتي.

 

ما الاحتياجات اللازمة؟

يلزمك على طريق الهدف أن تتزود بالصبر، أن تسعى للتزود من المعارف والمهارات اللازمة على الطريق وعند نقطة الهدف، وأن تتحدث عن هدفك مع من تثق به ممن تحب، وتحاول أن تعيش الهدف وتتنفس نشوة الوصول إليه بقدر، وأن تحاول فتح علاقات مع المتميزين في المجال الذي تريد التألق به، وتجتهد بالتوازي مع ذلك في البحث عن محفزات عامة وجمع تلك الشهادات التي شهدَها لك من تحبه، والثناءات التي تواردت عليك ممن تثق بعقولهم وموضوعيتهم، دوِّنها في خطتك، واطَّلع عليها بين الحين والآخر لتشدَّ بها من عزيمة نفسك.

 

استشر من يعرفك جيداً.

بعد ذلك اعرض خطتك وهدفك على من تثق بعقله ودينه ممن يعرفك جيداً وينفعك في هذا المجال، فمن شاور الرجال شاركهم عقولهم.

 

الخطوة الرابعة: حدد أهدافك:

 

 

بعد أن اكتشفت نفسك، وموقعك، واستكشفت طريقك، واحتياجاتك، حاول صياغة أهدافك بشكل مباشر ومبسَّط، كأن تقوم بإعداد:

  • ورقة بالمهام اليومية المتكررة
  • ‌ورقة بالمهام الأسبوعية
  • ‌ورقة بالمهام الموسمية
  • ‌ورقة بالمهام السنوية

 

وبناء على ذلك ضع ‌النتيجة العملية للخطة في سنة - مثلاً - :

  • هدفي الأول في الحياة بعد رضا الله (؟؟؟)
  • سأتخصص في مجال (؟؟؟)
  • سأقرأ خلال هذه السنة (؟؟؟) كتاباً في مجال (؟؟؟)
  • سأحضر (؟؟؟) دورة، (؟؟؟) منها ضمن الاختصاص.
  • سأعمل (؟؟؟) ساعة في عام (؟؟؟).
  • سأبني علاقات مع (؟؟؟).
  • سأنال درجة الـ (؟؟؟) في سن (؟؟؟).
  • سأحفظ (؟؟؟) صفحة من القرآن الكريم في (؟؟؟).
  • سأبلغ مستوى (؟؟؟) في اللغة الإنكليزية (؟؟؟ ساعة).
  • سأدخر (؟؟؟) $ حتى سن (؟؟؟).
  • سأحضر (؟؟؟) مؤتمراً علمياً ضمن تخصصي.

 

الخطوة الخامسة: انطلق نحو نجاحك!

 

 

ابدأ العمل فور انتهائك من وضع خطتك، لا تعلِّق خطتك على شيء مستقبلي، لا تسوِّف، وعش كل يوم ذلك الحلم الذي تسعى إليه، وقيِّم بين الحين والآخر أداءك وقوِّمه، وأصلح الخلل، ودوِّن النتائج، ولك أن تجعل يوم الجمعة - أو أي يوم آخر - موعدك مع نفسك؛ ترمم فيه ما أصابك من جهد الطريق، وحاول التركيز بكل طاقاتك على هذه الأهداف، ومعرفة مستوى وعيك بها وإخلاصك لها، وتيقَّن أنها الشيء الذي يستطيع فعلاً أن يضيف القوة والمعنى والسعادة إلى حياتك.