أختي كانت على علاقة سابقاً، هل نخبر الخاطب بذلك؟
1007 - السلام عليكم
أختي كانت على علاقة سابقاً، ووقعت في مقدمات الزنا، والان تقدم لها خاطب على دين وخلق، هل نخبر الخاطب الجديد بأنها ليست بكراً؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أهلاً بكم -أخي- في موقعكم..
أخي الكريم.. ليس من حق الخاطب أن يعرف ماضي مخطوبته، وليس من واجب ولي المخطوبة أن يعلمَه بذلك، فلا يجب على المخطوبة أو أوليائها إخبار خاطبها بماضيها وما كان منها، ولو كانت وقعت في شيء من المحرمات، ولا يجوز للخاطب سؤالها عن ذلك إذا كان فيه هتك لمستور، فإن الستر واجب في مثل هذه الحالة، وخاصة إذا تابت المخطوبة.
جاء في موطأ الإمام مالك: عَن أَبِي الزُّبَيرِ المكِّيِّ؛ أنّ رجُلاً خطب إِلى رجُلٍ أُختهُ، فذكر أنّها قد كانت أحدثت (أي: زنت)، فبلغ ذلِك عُمر بن الخطّابِ، فضربهُ، أو كاد يضرِبُهُ، ثُمّ قال: ما لَك، ولِلخبرِ؟!
وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني عن الشعبي قال: جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إني وأَدتُ ابنةً لي في الجاهلية، فأدركتها قبل أن تموت فاستخرجتُها، ثم إنها أدركت الإسلامَ معنا فحسُن إسلامها، وإنها أصابت حداً من حدود الإسلام، فلم نفجأها إلا وقد أخذت السكينَ تذبح نفسها، فاستنقذتها، وقد خرجَتْ نفسُها فداويتها حتى برأَ كَلْمُها، فأقبلتْ إقبالاً حسناً، وإنها خطبت إلي فأذكر ما كان منها؟ فقال عمر: «هاه، لئن فعلت لأعاقبنك عقوبة يسمع بها أهل الوبر، وأهل الودم، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة».
فلا يجب أن تخبر هذا الخاطب بشيء عن ماضي أختك الذي طواه الزمان وستره الرحمن، بل الواجب عليك أن تستر أختك ولا تفضحها، بل لا يجوز لأي من الخاطبين أن يكشف ستر الله عنه، فيجب على المسلم إذا زلَّت قدمه ووقع في الذنب أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يستر نفسه ولا يحدث أحداً بما كان من أمره، ففضح الذنبِ ذنبٌ يضاف إلى الذنب، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتي معافى إلا المجاهرون، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يُصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عَمِلْتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه فَيُصْبِحُ يَكْشِف سِتْر الله عنه».
وجاء في صحيح مسلم أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إِني عالجتُ امرأة في أقصى المدينِة، وإِني أصبتُ مِنها ما دون أن أمسّها، فأنا هذا، فاقضِ فيّ ما شِئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت على نفسِك؟ قال: ولم يرُدّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقام الرجلُ فانطلق، فأتبعهُ النبيُّ رُجلاً، فدعاهُ وتلا عليه هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114]، فقال رجلٌ من القوم: يا نبيّ الله، هذا له خاصّة؟ قال: «بل للناسِ كافّة» .
وجاء في موطأ الإمام مالك: قال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله».
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه أيضًا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة، وواجب ذلك عليه أيضًا في غيره.
وبناء على ذلك:
ننصحك أخي ألا تحدِّث هذا الخاطب بأمر ستره الله تعالى، وإياك أن تكشف ستر الله تعالى عن أختك، ونصيحتي إلى كل مقبل على الزواج أنه ليس من حق أيٍّ من الطرفين أن يفتش في ماضي صاحبه، فلا يوجد أحدٌ منا معصوم عن الخطأ، وحري بصفحة الماضي أن تُطوَى ولا تنبش، فليس الزوج وصيَّاً على علاقة زوجته بربها، ولا حاكماً عليها ماضياً ولا حاضراً ولا مستقبلاً، إنما ينصح ويوجّه ويدير، ويصوِّب إن رأى خطأً، ثم هو ليس عليها بوكيل ولا مسيطر، وليست الزوجة كذلك، إنما تنصح وتدعو..
فإن كان من أحد الزوجين أو الخاطبين خطأ فيما بينه وبين ربه فليستره ما ستره الله عليه، ويستغفر ويتوب، وليعلم أن الله ستّير يحب الستر.
والحذر الحذر من البوح بذنوب سترها الله، فكم من بيوت تأججت فيها نار الشك واستحالت الحياة فيها نكداً بسبب التقليب في صفحات الماضي، والتنقيب عن غيبٍ لم تجن معرفته إلا الخراب والدمار.
وبهذا يُعلم أن المرأة لا تخبر خاطبها أو زوجها بشيء من معاصيها ، ولو سألها فإنها لا تخبره، وتستعمل المعاريض والتورية، أي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى هو خلاف ما يريد المتكلم، كأن تقول: لم يكن لي علاقة بأحد، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين، ونحو هذا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه: (ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز. وأن من اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا، ولا يفضحه، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة «لو سترته بثوبك لكان خيراً لك»، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر).
وقد تقول لي: أليس من حق الزوج والزوجة معرفة ماضي الآخر؟
لا، وألف لا، لم يكن حقُّ الاعتراف بأخطاء الماضي يوماً من حقوق الأزواج فيما بينهم، ولا الإجابة عنه نوع من الواجب أو المستحب أو حتى المباح!! بل لعل التحرِّي عنه والتربص له يدخل في المحرَّم، يشمله عمومُ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]
ويشمله الحديث الذي أخرجه الإمام مالك والحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله».
نسأل الله العافية لنا ولكم ولجميع المسلمين
والله تعالى أعلم