بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [الجُمُعة:9-11].

أخرج الإمام مسلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ».

سبق الحديث عن فضائل يوم الجمعة، ومزايا خطبة الجمعة،  وماذا يجب على الخطيب، واليوم نتحد عن "ماذا يجب على من حضَر الجمعة".

 

1) أن يحرص على حضور الجمعة ولا يستخف بها:

أخرج مسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه؛ أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، على أعواد منبره: «لينتهين أقوام عن ‌ودعهم ‌الجمعات؛ أو ليختمن الله على قلوبهم. ثم ليكونُنَّ من الغافلين».

وأخرج ابن ماجه والطَّبراني والبيهقي في شُعب الإيمان عن جابر رضي الله عنه، قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا أيُّها النَّاس، تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالحة قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا، وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا، وَتُجْبَرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْكُمُ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا، فِي يَوْمِي هَذَا، فِي شَهْرِي هَذَا، مِنْ عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَة. فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي، أَوْ بَعْدَ مَوْتِي، وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ، أَوْ جَائِرٌ، اسْتِخْفَافًا بِهَا، وجُحُودًا لهَا، فَلَا جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ، وَلَا بَارَكَ اللَهُ فِي أَمْرِهِ،.... فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ».

 

2) أن يغتسل، ويتطهر ما استطاع من طهر:

ففي الصحيحين: «الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ واجِبٌ عَلَىَ كُلِّ محُتْلَمْ»، أَيْ: مُؤكَّدٌ ثابِتٌ.

وقد ذهب الجمهور إلى أنه سنة، وحُكي عن أحمد بن حنبل في رواية أنه واجب. [الموسوعة الفقهية الكويتية]

 

3) أن يتطيَّب بما استطاع من طيب:

أخرج البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا ‌غفر ‌له ‌ما ‌بينه ‌وبين ‌الجمعة الأخرى».

 

4) أن يلبس من خير لباسه، أو يخصص ثوباً للجمعة:

أخرج أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة، فرأى عليهم ثياب النِّمَار [ثياب يلبسها الأعراب] فقال: «ما على أحدكم إن وَجد سَعةً - أو ما على أحدكم إن وجدتم - أن يتخذ ‌ثوبين ‌ليوم ‌الجمعة سوى ثَوبَيْ مَهْنتِهِ».

 

5) أن يأتي باكراً للمسجد، ويجتهد في إدراك أول الخطبة.

أخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد بإسناد صحيح من حديث أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، فَدَنَا مِنَ ‌الْإِمَامِ، ‌وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ؛ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا».

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي": (وقال بعض الأئمة: لم نسمع في الشريعة حديثاً صحيحاً مشتملاً على مثل هذا الثواب!).

 

6) أن يأتي ماشياً فلا يركب.

للحديث المتقدم: «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ».

قال أهل العلم: (لما في المشي من التواضع لله عز وجل، لأنه عبدٌ ذاهبٌ لمولاه، فيطلب منه التواضع له، فيكون ذلك سبباً في إقباله عليه [حاشية الدسوقي].

قال البهوتي: هذا إذا لم يكن له عذر، فإن كان له عذر فلا بأس بركوبه ذهاباً وإياباً، لكن الإياب لا بأس به ولو لغير عذر [كشاف القناع].

وصرَّح المالكية بأنه لا يُندَب المشي في الرجوع لأن العبادة قد انقضت [حاشية الدسوقي].

وقال الرملي من الشافعية: من ركب لعذر أو غيره سَيَّر دابتَه بسكون كالماشي ما لم يَضِق الوقت، ويشبه أن الركوب أفضل لمن يَجهَده المشي لهرَمٍ أو ضعف أو بُعدِ منزله، بحيث يمنعه ما يناله من التعب الخشوع والخضوع في الصلاة عاجلاً. [نهاية المحتاج]). وقد نقلت ما سبق من [الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 339)]

 

7) أن يجتهد بالبكور للاقتراب من الإمام.

وإلا فيجلس حيث انتهى به المجلس، فلا يفرق بين اثنين ليتقدم على الصفوف.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم الجمعة، وقفَت الملائكة على باب المسجد - أو: على كل باب من أبواب المسجد -، يكتبون الأول فالأول، ‌ومثل المُهَجِّر  - [وهو الذي يمشى إلى الصلاة في أول وقتها] كمَثَل الذي يهدي بَدَنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، ويستمعون الذكر» [البخاري ومسلم]

 

8) أن يصلي ما كتب الله له من النافلة قبل الجمعة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه، ‌غفر ‌له ‌ما ‌بينه ‌وبين ‌الجمعة الأخرى، وفَضلُ ثلاثةِ أيام» [مسلم]

 

9) أن ينصت ولا يلغو بقوله ولا فعله، ويستمع بقلبه وعقله

- لغو القول: للحديث المتقدم: «‌وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ»، وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلتَ لصاحبك يوم ‌الجمعة: "‌أنصت" والإمام يخطب، فقد لغوت!».

- لغو الفعل: أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسَن الوضوء. ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت. غفر له مابينه وبين الجمعة. وزيادة ثلاثة أيام. ومن مس الحصى ‌فقد ‌لغا».

 

10) أن يبحثَ في الخطبة على شيءٍ يعملُ به إذا خرج من المسجد:

قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزُّمر:18].

أَيَا سامعاً، ليسَ السَّماعَ بنافعٍ
 

 

إذا أنتَ لم تعملْ بما أنتَ سامعُ
 

 

 

11) أن يخشع بالصلاة ويركِّز فيها:

فالخشوع من فرائض الصلاة وليس من فضائلها، ثم يجلس بعد الصلاة للذكر والسُّنة البعديَّة، ثم يسلِّم على من يعرف من أهل الجمعة، ثم ينصرف.

 

12) أن يُبَلِّغَ غيرَهُ ما سمع:

أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «‌بلِّغُوا ‌عني ولو آية».

وأخرج أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده والحاكم في المستدرك بإسناد صحيح، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نَضَّرَ ‌الله امرَأً ‌سَمِعَ منَّا حديثاً فحفِظَه حتىِ يُبَلَّغَهُ، فَرُبَّ حامِلِ فقهٍ إلى مَن هو أفقَهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ».

 

13) أن يجتهد في الدعاء والنافلة يوم الجمعة، عساه يدرك ساعة الجمعة.

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يسأل الله خيراً؛ إلا أعطاه إياه» وَقالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُها، يزهِّدها.

 

14) أن يكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرج أبو داود في سننه، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد بإسناد صحيح عن أوس بن أوسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إن مِنْ أفضل أيامِكُم يومَ ‌الجُمعة: فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخةُ، وفيه الصَعقةُ، فأكثروا على مِن الصلاةِ فيه، فإن ‌صلاتكم ‌معروضة ‌عليّ» قال: قالوا: يا رسولَ الله، وكيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ؟ يقولون: بَلِيت، فقال: «إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء».

 

15) أن يهجر كبائر الذنوب فيما بين الجمعتين.

أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةُ مَا بَيْنَهُما، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ».

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم