مختصر ندوة "أسرة حب - مهارات في بناء الحب"
المنعقدة في الجزائر العاصمة - درارية في تاريخ 28/04/2017
ما هو الحب:
الحب في اللغة يفيد معنيين: الصفاء واللزوم، وقد أطلقت العرب على الحب (60) اسماً، منها )المحبة، التعلق، الهوى، الصبابة، الشغف، الوجد، الكلف، العشق، الجوى، الشوق، الحنين، اللوعة، الود، الغرام، الخُلة، الهيام، الوله...).
ميادين الحب:
حب الله: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحِبُّوا الله لمايَغْذوكم من نعمه» [الترمذي].
حب رسول الله عليه الصلاة والسلام: قال عليه الصلاة والسلام: «لايُؤمن أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه مِنْ والده وولدِهِ والنَّاس أجمعين» [متفق عليه].
الحب بين المؤمنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تحاب اثنان في الله،إلا كان أفضلهما: أشدهما حباً لصاحبه» [البخاري في الأدب المفرد].
الحب بين الأزواج: قال الله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إني رُزِقْتُ حبها» [متفق عليه].
الحب للوالدين: قال الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83].
الحب للأولاد: جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ومعه ابن له، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «أتحبه؟» فقال: يا رسول الله، أحبك الله كما أحبه..[أحمد والنسائي].
هل الحب من حقوق الزوجين والأبناء؟
هو في مقدمة ما يطلبه الأزواج والزوجات، فقد قام قاضٍ شرعي في بلد عربي بإجراء استبانة شملت مائتي أسرة (مائتي زوج، ومائتي زوجة)، أظهرت أن أول ما يريده الزوج من زوجته: الاهتمام بالبيت، وثاني ما يريده: العاطفة وإظهار المشاعر، وثالث ما يريده: الاحترام المتبادل، أما آخر ما يريده: فهو المال.
وأن أول ما تريده الزوجة من زوجها: تحمّل المسؤولية، وثاني ما تريده: الشعور بالأمن، وثالث ما تريده: الاحترام المتبادل، وأما آخر ما يريده: فهو توفير الطعام.
مهارات لبناء الحب:
أولاً: كن مهتماً:
ومن الاهتمام:
- الإقبال على الآخر: كان النبي عليه الصلاة والسلام إِذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزِع يدَه من يده حتى ينزع الرجل يدَه، وإذا خاطبه رجلٌ التَفَتَ إليه جميعاً. [الترمذي وأبو داود]
- التواضع له: تجد بعضهم يسلِّم على الناس ويتحدث معهم متأنّفاً متعالياً، فتراه ممقوتاً ثقيلاً!
- النظر إليه: فالتواصل البصري مع الآخر دليل الاهتمام له، والالتفات لما يقول.
- حسن الاستماع لما يقول: تظهر في العالم اليوم مدارس لتعليم فن الاستماع، كيف تستمع إلى الآخرين؟ وكيف تكون مستمعاً ناجحاً؟
- احترام رأيه وشخصه: فالإنسان ينفر من أماكن وأشخاص ومواقف لا يجد نفسه ورأيه فيها محترماً أو مهتَماً له.
- إكرامه والإحسان إليه: وقد قيل: (الإنسان عبد الإحسان).
- الاهتمام بما يهتم له: مما يُفرحه أو يُحزنه، مما يخيفه أو يؤمِّله، فبادر لتذكير الآخر بموعد يهمه، أو تنبيهه إلى فرصة ليغتنمها، أو المبادرة للاتصال به والتواصل معه كل حين..
ثانياً: كن ودوداً لطيفاً:
الحب في القلب، والمودة في العمل، والرحمة لغة الإنسان مع الإنسان حتى عند غياب الحب والمودة.
ومن المودة إرسال رسائل المودة بذكرك من تُحب في غيبتهبما يحب، والثناء على سلوكه أو شخصه، هذا الكلام عندما يصله يدغدغ حبه لك ويرسخ ثقته بك.
ومن المودة إظهار التوافق في المشاعر، بأن تظهر للآخر حبك -أو احترامك- لما يحب من الأشخاص والمواقف والهوايات أو الرياضات...
ومن المودة الغيرة على ما ينفع الآخر، والحرص على مصلحته، ودفع ما يضره.
ومن المودة مراعاة الذوق والأدب مع الآخر، والتزام الحدود، وعدم التطفل على الخصوصيات..
ومن المودة الإعذار والاعتذار، والتماس العذر بعد العذر للإبقاء على الحب والود..
ثالثاً: كن مبادراً:
لقضاء حاجة، وتقديم دعم، وتنبيهٍ لخطر أو خطأ، وثناء على الحسَن، وشكر على الجميل...
لدعوة إلى طعام، أو طلب مشاركة في مناسبة جميلة، أو زيارة لمن نزل به ما يضره أو يسرُّه...
لهدية مادية أو معنوية، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابُّوا، فإن الهدية تُذهِب وَحَرَ الصَّدر» [الترمذي والبيهقي]، ووحرالصدر: غشُّه ووساوسه، وقيل الحقد والغيظ، وقيل العداوة.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام -ويروى موقوفاً على عمر-: «يصفّي لك ود أخيك ثلاث: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس» [الحاكم والطبراني]
رابعاً: ابقَ على سجيتك:
لا تتكلَّف ولا تتصنَّع، فالناس تنفر ممن يحاول إظهار شيء ليس فيه، وترتاح لمن يكون معها عفوياً تلقائياً، فكن كما أنت، ولا تحاول ان تظهر بغير ما أنت عليه.
خامساً: أتقن فنً المجاراة والمداراة:
قيل: (المداراة نصف العقل)، وروي أن رجلاً جاء سيدنا عمر رضي الله عنه يشكو خُلُقَ زوجته، فوقف على باب عمر رضي الله عنه ينتظر خروجه، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إنْ كان هذا حال عمر -مع شدته وصلابته، وهو أمير المؤمنين- فكيف حالي؟ فخرج عمر رضي الله عنه، فرآه موليَّاً عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين، جئتُ أشكو إليك سوء خُلُق امرأتي واستطالتها عليَّ، فسمعتُ زوجتك كذلك، فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي؟ فقال عمر رضي الله عنه: يا أخي، إني احتملتُها لحقوق لها عليَّ: إنها طبّاخة لطعامي، خبّازة لخبزي، غسَّالة لثيابي، مُرضِعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام، فأنا احتملتها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، وكذلك زوجتي!! قال عمر رضي الله عنه: فاحتمِلها يا أخي، فإنما هي مدة يسيرة([1]).
سادساً: اعتن بمظهرك:
بجمال لباسك ونظافته، برائحة جسدك وفمك، بتسريحة شعرك، بتقليم أظافرك...
سابعاً: حافظ على ابتسامتك:
كم من أشخاص أسرَتنا ابتسامتهم، وكم من حبيب فقدناه ما تذكرنا منه إلا ابتسامته التي كانت بعد فقده تختصر مسيرة الحب معه!
قيل في الابتسامة: (كَفُّ عداوة بأرخص مؤونة، وكَسْبُ مودَّة بأيسر مبذول).
فالابتسامة صدقة: «تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صَدَقة» [الترمذي].
والابتسامة معروف: قال النبي عليه الصلاة والسلام: «لاتحقِرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق» [مسلم].
والابتسامة سُنة نبوية: وقد سُئِلت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: كيف كان رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيته، فقالت: (كان بسَّاماً ضحَّاكاً) [ابن عساكر].
ثامناً: الزم الثقة، واجتنب الظن:
فالظنون والشكوك تزرع الريبة بين الناس، وتركهم عرضة للخطأ والظلم.
تاسعاً: احترم مشاعرك:
إعلان الحب وإظهار المشاعر قوة وليس ضعفاً، عطاء لا استجداء، احترام لا انكسار، فأظهِر حبك، جاء في الحديث: «إذا أحبَّ أحدُكم أخاه فليُعلِمه» [البخاري في الأدب المفرد، والطبراني].
قد يكون الإعلام بالكلام، وقد يكون بالمواقف، وقد يكون بلمسة الحب، أو بسمة الحب...
على الجهة المقابلة: إذا ساءك أمر أو أزعجك موقف فبادر إلى احترام مشاعرك، أفصح عما بداخلك بأدب ولطف، لتبقى مع الناس مرتاحاً.
عاشراً: أصلح حالك مع الله:
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبَّه، فيحبُّه جبريل، فينادى جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبُّوه، فيحبُّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» [متفق عليه].
([1]) ذكر القصة الذهبي في "الكبائر" [1/172] عند ذكر الكبيرة السابعة والأربعون: (نشوز المرأة على زوجها)، وابن حجر في "الزواجر عن اقتراف الكبائر"عشرة النساء.