ما إن تتفتح الزهرة المصونة، والدرَّة المكنونة، حتى تتفتح أبواب السماء بدعاء أبويها أن يهيء لها زوجاً صالحاً موافقاً حسنَ الخَلْق رضيَّ الخُلُق، يُسعِدها ويخاف الله فيها، يملأ قلبها وعينها، ويعفُّها ويُكرمها ويصونُها من غدر الزمان وطمع اللئام..
إن هذا الزوج همٌّ وحلم في آنٍ معاً، وصلاحه في دينه وعقله، في حاله وسلوكه، في مظهره ومخبره، يعود - بلا شك - بالخير عليه وعلى من أكرمها الله تعالى به.
قد يهمك مقال: (الزوجة الصالحة)
والصلاح في الأزواج رزق يخص الله به من يشاء، و«إن الهديَ الصالح، والسَّمتُ الصالح، والاقتصاد، جزءٌ من خمسة وعشرين جزءاً من النبوّة» [أبو داود].
والرزق موهوب ومكسوب، فإن أراد رجل كسبه فهذه صفات رأيتها في الأزواج الصالحين، فإن وجدتها في نفسك -أخي- فتمسك بها، وإلا فهي ذكرى للذاكرين..
- الزوج الصالح.. هو ذلك الزوج الذي يتمتع بمرجعية سماويَّة وقيَميَّة في علاقته مع زوجته، فإذا أحب زوجته أكرمها، وإن كرهَها لم يظلمها.
- الزوج الصالح.. يخاف الله في زوجته، يُطعمها مما طَعِم، ويذكُرها فيما غَنِم، ويرضى بدينه حكماً إذا ما اختلفا.
- الزوج الصالح.. يحافظ على ودِّ زوجته بحُسن خلقه، فهو يعلم أن خلُقه ودينه هما المؤهِّلان لتزويجه، ولولا الدين والخلق لما كان للرجل في زوجته نصيب، ففي الحديث: «إِذا جاءكم مَن تَرضَون دينه وخُلُقَه فأنكِحُوه».
- الزوج الصالح.. عقل يدرك الفوارق بين الرجل والمرأة، بين الذكر والأنثى، بين الصغير والكبير، وقلب رحيم يتسع لهم جميعاً تحت سقف بيته وظل رعايته.
- الزوج الصالح.. يحسن التوازن بين والديه وزوجته، فلا يميل إلى والدته على حساب زوجته، ولا إلى زوجته على حساب والدته، بل يعطي كلاً منهما حقه غير منقوص.
- الزوج الصالح.. يعرف أنه المسؤول الأول عن بيته وزوجته وولده، وأن إدارة البيت وقوامة الأسرة منوطة به لا بغيره، ولا يرضى في ذلك تقصيراً.
- الزوج الصالح.. قائد يعي دوره في أمان أسرته، وضمان مستقبل أولاده، فهو صاحب القرار، الذي تستقيم به الأسرة، وتميل إن مال رأيه، فهو أبعد الناس عن التفكير بصيغة الفردية، واتخاذ القرارات التي تنفعه وتضر بأسرته، أخوف الناس على مصالح عياله.
- الزوج الصالح.. كريم رفيق صدوق، حيي حليم مسامح شفوق، لا يتخون أهله ولا يطلب عثراتهم، ولا يسيئ الظن ولا يكثر الشك.
- الزوج الصالح.. لا يستقصي كرماً، ويتغافل من غير غفلة، ويتغابى من غير غباء، ولا يُتلف نفسه ويُتعب أهله بمتابعة التفاصيل التي لا يليق بالكرام متابعتها.
- الزوج الصالح.. رجل يملأ عين زوجته هيبة، وسند تعتمد عليه وتلجأ إليه، ولا يحوجها لأحد ما دام رأسه حياً.
- الزوج الصالح.. يمازح زوجته ويلاعبها، يسامرها ويباسطها، مع لطفٍ ولينِ جانبٍ، كما (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أليَنَ الناس، بسَّاماً ضحَّاكاً) بشهادة زوجته، و(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أَفْكَه الناس مع نسائه).
- الزوج الصالح.. يتزين ويتجمَّل لزوجته كما تتزين وتتجمَّل له، ويتودد إليها كما تتودد إليه، ويعتني من نفسه بما تقع عليه عين زوجته وأنفها، فقد (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ إذا دخل بيته بالسواك) [رواه مسلم]، وقال عمر -رضي الله عنه- وهو مَن هو هيبة ورجولة: (تَصَنّعُوا للنساء، فإنهنّ يحبِبْنَ منكم ما تحبون منهنّ)، وقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (إني لأتزين لامرأتي كما أُحبُّ أن تتزين لي).
- الزوج الصالح.. يخطب ودَّ زوجته، يحترمها لأنها جزء من ذاته وبضعة منه، فالله تعالى يقول: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الشورى: 11]
- الزوج الصالح.. لا يرى إبداء مشاعره لزوجته عيباً، ولا يرى مساعدتها نقصاً، بل سنَّة يحرص على اتباعها إذا ما تزاحمت على زوجته المهمَّات، متأسياً بمن كان (بشَراً من البشَر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويخصف نعلَه، ويخيط ثوبه، ويكون في مهنة أهله)... صلى الله عليه وسلم.
- الزوج الصالح.. يثني على زوجته في حضورها وغيبتها، ويشكرها ويوقرها، فإن رابه منها شيء أسرَّ لها الحديث ولم يشهِّر بها حتى يصلح ما بدا منها، من غير أثر يغور في صدرها ويجرح قلبها.
- الزوج الصالح.. يَعتذر ويعذِر، ويفيء إذا غضب، ولا يفجُر إذا خاصم، ويترك للصلح موضعاً.
- الزوج الصالح.. إنْ دَخَل دَخَلَ ضحَّاكاً، وإن خرَجَ خَرَجَ بسَّاماً، إنْ سألتْه زوجته أعطى، وإنْ سكتت ابتدأ، وإنْ عمِلت شَكَر، وإنْ أذنبَت غَفَر.
- الزوج الصالح.. يعرف تماماً الفرق بين عمله وبيته، وصفته خارج البيت وداخله، فهو في البيت زوج وأب، وخارجه يكون ما شاء أن يكون؛ مديراً أو ضابطاً أو قاضياً...
- الزوج الصالح.. وفيٌّ لزوجته محترم لعشرتها مقدِّر لجهدها، لا يكفر عشرتها في ساعة غضب، ولا يوقع طلاقاً لأتفه سبب، ولا يهدد بالفراق ولا يُكثر العتب.
- الزوج الصالح.. يعرف أخلاق النساء فيتجاوز، ويعرف ضعف النساء فلا يجور، يصبر ويداري، ولا يبغض زوجته لنقص طبيعي عندها، ولا يكفر حسنَها ويستذكر قبيحها، ففي الحديث: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر». [أخرجه مسلم].
روي أن رجلاً جاء سيدنا عمر رضي الله عنه يشكو خُلُقَ زوجته، فوقف على باب عمر رضي الله عنه ينتظر خروجه، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه، وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرجل راجعاً وقال: إنْ كان هذا حال عمر -مع شدته وصلابته، وهو أمير المؤمنين- فكيف حالي؟
فخرج عمر رضي الله عنه، فرآه موليَّاً عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين، جئتُ أشكو إليك سوء خُلُق امرأتي واستطالتها عليَّ، فسمعتُ زوجتك كذلك، فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف حالي؟
فقال عمر رضي الله عنه: يا أخي، إني احتملتُها لحقوق لها عليَّ: إنها طبّاخة لطعامي، خبّازة لخبزي، غسَّالة لثيابي، مُرضِعة لولدي، وليس ذلك كله بواجب عليها، ويسكن قلبي بها عن الحرام، فأنا احتملتها لذلك.
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين، وكذلك زوجتي!! قال عمر رضي الله عنه: فاحتمِلها يا أخي، فإنما هي مدة يسيرة
- الزوج الصالح.. يعلِّم زوجته مما تعلَّم، ويطوِّرها ما تطوَّر، ولا يستأثر بصناعة ذاته حتى إذا اغترَّ بنفسه وبلغ هدفه هجر وتكبَّر!
- الزوج الصالح.. كريم لا يُهين ولا يسبُّ ولا يلعن، ولا يهجر ولا يفجر، ولا يتعامل مع زوجته بالعصا، ويعرف أن ضرب الزوجة من شيم اللئام، «لقد طاف بآل محمد نساءٌ كثير يشكون أزواجهنَّ، ليس أولئك بخيارِكم» [أبو داود]
- الزوج الصالح.. يخاف الله في أعراض الناس حتى يحفظ الله عرضه، وهو أبعد ما يكون عن الحرام حتى يُسعدَه الله بما أحل له من زوجته، ولا يرضى لشريفة عفيفة أن تجتمع في قلبه مع بغيٍّ رخيصة.
- الزوج الصالح.. يحترم سرَّه مع زوجته، ولا يذكر ما يخصُّهما جاداً ولا مازحاً، ولا يحدِّث بما يكون بينه وبين أهله، «فإن مَثَل ذلك مَثَل الشيطان لَقِي شيطانة في ظهر الطريق فغشيها، والناس ينظرون» [أحمد والطبراني]
- الزوج الصالح.. يستمع لزوجته فيما ينغِّصها، ولا يستخف بهمومها وهموم أولادها، يقبل الحوار ويشارك في النقاش، بعيداً عن الغضب، غير متعذرٍ بالتعب.
- الزوج الصالح.. شريك في تربية أولاده، متابع لقضاياهم لا يترك حملَ ذلك على الزوجة وحدها تنوء به وتئن وهو غائب.
- الزوج الصالح.. يعرف لأهل زوجته حقَّهم، فلا يقطعهم ولا يُثقل عليهم، ويكرمهم ابتداءً ليرى النتيجة إكراماً من زوجته لأهله.
جماع ما تقدَّم قولُ مَن أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي» [الترمذي].