يوم قَتَل أصحاب القرية "حبيب النجار" قال الله فيهم: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} [يس:28]، أي: ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم، فننزل جنداً من السماء لإتلافهم، فهم أهون من ذلك، وإهلاكهم أيسر على الله مما يظنون..!
ثم قال: {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} مؤكداً أن لا حاجة إلى نزول الملائكة، فعظمة اقتدار اللّه تعالى عليهم، وشدّة ضعف بني آدم أنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب اللّه يكفيهم... كل هذا أغنى عن جند الله وعن ملائكة العذاب.. فما كان الأمر إلا أن أمَر الله تعالى جبريل عليه السلام فصاح بهم صيحةً.. فماتوا عن آخرهم..
صيحة؟!
نعم.. صيحة! صيحة فقط!
تخيل أن يصيح أحدهم في وجهك فتموت!
مجرد صيحة!
منطقياً.. الأمر يحتاج إلى قوة في الصيحة.. أو ضعف في مَن تلقّاها، لكن هنا اجتمع الأمران: قوة الصيحة وضعف القوم الهالكين!
[قد يهمك: هذه كورونا فأين عثمان؟]
حين قرأت هذه الكلمات القرآنية ذات يوم شعرتُ كم هي البشرية ضعيفة في قبضة الله..
واليوم أرى ذلك بعينَي رأسي بعد أن رأيته بعينَي قلبي..
فايروس ضعيف..
- ينتقل عبر الرذاذ فقط..
- يدخل عبر الفم والعينين والأنف فقط..
- يمكن الاحتراز منه بغسل اليدين ووضع الكمامة وتجنب الاحتكاك..
- يقتصر أثره على الرئتين والجهاز التنفسي..
- أكثر من 80% من المصابين يتعافون دون الحاجة لعلاج، وقد لا يشعرون به أصلاً..
- أقل من 20% يشتد مرضهم فترتفع حرارتهم ويضيق تنفسهم.. فقط
- أقل من 02% من المصابين يموتون، معظمهم مسنّون وذوو أمراض مزمنة.
- فايروس.. لا يصمد أمام الماء والصابون، والكحول، ودرجة الحرارة المرتفعة...
- لا يطول عمره عندما يبتعد عن الإنسان..
- لا يؤثر في الأطفال أقل من عشر سنوات..
هذا المخلوق الضعيف أوقَف الحياة الطبيعية وشلَّ اقتصادات الدول وألحق أبلغ الخسائر بأعظم الشركات العالمية..
وفرض حظراً أغلق المعامل والنوادي والمقاهي، وكذلك المساجد..
حتى البيوت؛ أغلقها على أصحابها... [قد يهمك: اقتراحات للأسرة في زمن كورونا]
قطع أوصال المجتمع، وحيّر العلماء، وأعجز كبراء العالم..
صار الساسة يتنبؤون بنظام عالمي جديد، وتغيُّر في قوى الأرض، وتزلزل أقوى دول الأرض "أمريكا" عن مكانتها في قيادة العالم!
درس عمليٌّ مفاده أن البشرية أضعف من أن تواجه مخلوقاً ضعيفاً من خلق الله..
أضعف من أن تصمد أمام ما لا تراه عين..
يكفيها أضعف جند الله ليقلب حياتها إلى جحيم..
حتى لو كانت القضية مؤامرة.. وحرباً بيولوجية بين دول عظمى.. وبروباغندا سياسية وتهويلاً وتضخيماً إعلامياً..
الواقع ينطق.. بل يصرخ بعجز بشريّ من خلال مخلوق مجهري..
ويكشف عورة الضعف في أعتى قوى الأرض وأشدّها بأساً..
هذه رسالة واضحة وتذكرة بالغة للفرد والجماعة أنكم ما زلتم في قبضة الله..
تفلسفوا كما شئتم..
تبجحوا كما أحببتم..
هرطقوا بما أردتم..
هذه رسالة الله إليكم، وإلى كل من أغراهم وهم الحول والقوة {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: 15]
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} [غافر: 21]
فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.. وأدرك أنه ما {لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق: 10]
رحم الله عبداً اعترف بضعفه لباريه، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54]
رحم الله من جدّد إيمانه، ونزع من طغيانه الذي استطال فيه بوهم الاستغناء {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]
رحم الله عبداً خلعَ خِلعة الكبر، وتجلبب بجلباب عبوديته، وأسلم رقبته لمالك رقّه، وعاد إليه {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 8].