مهلاً.. توقف لحظة!! هل قيَّمتَ عامك الفائت بشكل صحيح..؟!

هل تشعر نفسك وأنت تمرر عجلة "الماوس" في مواقع التواصل.. مع أفول شمس العام الحالي.. بأنك تجول في دائرة مملَّة من الانطباعات غير المتوازنة عن العام القائم.. والقادم؟!

 

نعم.. تتَّسم كثير من المنشورات التي ينشرها الأصدقاء أو يشاركونها في نهاية العام أو مطلع العام الجديد بالعاطفة المجرَّدة، وتحوي جرعة إيجابية رائعة.. لكنها كثيراً ما تكون زائفة، يكتبون: (لقد كان عامي رائعاً .. تزوجت فيه مَن أحب.. تلقيتُ فيه ترقية وظيفيَّة...، زيادةً على الراتب... تجاوزت فيه سنًة دراسية صًعبة.. رُزقت فيه بمولودٍ رائع..!).

في حين يكتب آخرون: (لقد كان عامي سيئاً جداً، تعرَّضت فيه لخسارة ماديَّة.. افتقدتُ فيه حبيباً.. رحَلتُ فيه عن وطني..!).

 

لكن: هل هذه الأمور المذكورة أعلاه تَصلح فعلاً لتقييم العام الفائت؟ هل كان الإنجاز حقيقياً، أم قام صاحبه بإرضاء نفسِه ليخدَعَها؟!

أليس من الظلم الموضوعي أن أُعطي المكافأة لصَاحب الضربة الأخيرة الذي حَطَّم حجر العَثرة متغاضياً عن عشراتٍ قبله حاولوا وبذلوا وقدموا حتى ترنَّح الحجر وسقط على يد الأخير؟! بربك قل لي.. ألا تعمَل السنون بالآلية نفسها؟!

أليس من العجلة أن أتوِّج عامي بالنجاح لمجرَّد أنني تزوجت فيه، أو افتتحت فيه مشروعاً علمياً أو عملياً أو تجارياً..؟! ومَن قال: إن سنة واحدة تكفي لتقييم مثل هذه الخطوات.. (طبعاً: أنا أستثني تلك المشاريع التي تحقق النجاح العالي في أقل من 12 شهر، وذلك لندرتها).

 

إذاً: لعلي أقيِّم العشر سنوات الماضية بأنها كانت ناجحة، ففيها نشأت بذرة المشروع، وترعرعت، وتحولت واقعاً، ونجحت وأثمرت..، أو أنها كانت الأعنف والٌأقسى على من نحب (من الأشخاص أو الأعمال) فتسببت برحيلهم عام كذا.

قد أقيِّم عام 2015 في عام 2025، ففيه -مثلاً- تزوجت امرأة عاشت معي عشر سنين بأخلاقها وصلاحها وهناءتها الحياتية.. أو فيه ابتدأت مشروعاً جعلني مليونيراً خلال عشر سنوات، أو رحلت فيه عن وطني ففتح الله لي أبواب الخير والفضل والسعة، وحققت نجاحاً يصعب إلى حد ما -إن لم نقل: يستحيل- في بلدي! أو في عام 2015 بدأت مشواراً مثمراً مغيراً استثنائياً أثبت جدارته ونجاعته في عشر سنين!!

 

تعالوا نتسم بالموضوعية، ننظر إلى الأمور بحجومها، وطبعاً أنا لا أحرِّم الإيجابية والتفاؤل على من يحتاجهما، لكن في مسألة التقييم بالذات لا ينبغي ذلك الخبط العشوائي، فلا بد من الدِّقة؛ لأن سلوكاً سيُبنى على التقييم لاحقاً، ومن شعَر بالتقصير تدارك، ومن شعر بالإنجاز سَعى في السبيل نفسه ليجني المزيد والمزيد موسِّعاً ومطوِّراً.

 

هذا، ومن المعطيات المغلوطة في تقييم العام:

 

1.     الترقية الوظيفية: لأنها نتاجُ عمَل سنين، وفق قانون داخلي أو نظام إداري، تتم فيه الترقية بشكل طبيعي بعد أن تساهم في الحصول عليها أعوام عديدة، ومثلها العلاوة على الراتب، والترقية الدراسية وتجاوز سِنيِّها.

2.     الزواج: غالباً لا يكفي عام واحد لتقييم الزواج، وقد يكون الزواج الناتج عن قصة حب محسوباً عليك لا لك، فالأبحاث تقول: 80% من الزواج المبني على الحب وحده ينتهي بالإخفاق (أسأل الله السلامة لك إن كنت من هؤلاء)، ومثل الزواج قدوم الولد (لا أعني أنه كالزواج ينتهي بالإخفاق غالباً laugh ، وإنما هو مثله في عدم صلاحيته لتقييم العام؛ لأنه ناتج طبيعي غالباً للزواج).

3.     الوفاة: لأنها أجَل وقدَر، ساهم في وقوعه نفاد سنين عدة من حياة إنسانٍ نُحبه، ولو لم يبلغ أجله الذي كتب الله له ما مات! وبذلك يتبرأ العام الماضي وحده من حمل المسؤولية عن ذلك، عدا عن أن الوفاة أمر طبيعي لا يختلف وقوعه عام 1970 عن وقوعه 2050، ولا يصلح لتقييم أعوام الأحياء غالباً.

4.     الخسارة المالية: غالباً ما تكون الخسارة الكبيرة نتيجة المضي زمناً في اتجاه خاطئ، وأحياناً تكون الخسارة المالية هي الدليل القاطع على فشل مشروعك القديم، لتفتح لك الأفق بمشاريع جديدة مبنية على خبرتك التي حصلتها في هذا المشروع الفاشل، فتكون الخسارة بمثابة نقطة تحول نافعة!!

 

ختاماً: من حقك -بعد قراءة هذا المقال- أن أزودك ببعض الأسئلة التي وجدتها نافعة لتقييم العام:

 

1.     ماذا أنشأت أو أسست أو افتتحت في هذا العام، وحقق نجاحاً حقيقياً قبل نهاية العام؟ (إن كنت تتوقع له نجاحاً كبيراً بعد مدة فدع التقييم لوقته!).

2.     ما الخطوات التي نفذتَها في هذا العام فساهمت في تقريبك من هدفك بشكل فعَّال، وإلى أي مدى التزمت بخطتك السنوية التي وضعتها نهاية العام قبل الماضي، وهل يرقى مستوى الأداء في العام إلى مستوى التطلُّع؟

3.     ما الدورات الجديدة التي خضعت لها وغيَّرَت في تفكيرِك أو سلوكِك أو نفسِك بشكل عميق وملحوظ، ومثلها الخبرات التي حصَّلتها، والتطور المدروس الذي حققته في هذا العام حصراً؟

4.     ما الخطوات التي قطعتها في هذا العام نحو رضا خالقك؟ هل زاد رصيدك الإيماني فيه؟ هل أنت في نهاية العام في درجة إيمانية وصحة نفسية أعلى من تلك التي كنت فيها مطلع العام؟!

 

وأضف لهذه النقاط الأربع مفردات أخرى تتنوع بتنوع الناس، على أن يتم النظر إلى الإنجاز ومدى ملاءمته لمدة عام كامل بما فيه من موارد ومعطيات! ثم يكون النظر في أسباب الخلل أو التقصير (وأرجو أن لا تكون)، ثم اقتراح العلاج لأمثالها في العام القادم، والمحفزات لدعم عملية المسير.

كما ويمكنك أن تستعين بخبراء ثقات يتقنون تقييم الأداء، ولا تعتمد على الأدرينالين المتفجر في عروقك ليلة رأس السنة!!

 

ملاحظة..

كل ما سبق ذكره ينطلق من الأغلبية المجتمعية، فإن كان عندك استثناء فلتهنأ به... ولا تبخل علينا بذكره.. smiley