لك أن تعتبرها ضرباً من الخيال إن شئت.. لكن الحقائقَ والوقائعَ تؤكِّد وجودها فعلاً، وعدداً من الحالات تشهد عليها.. ويمكنك أن تجرِّب بنفسك لتتأكد بأن السعادة الأسرية واقع لا حلم، حقيقة لا خيال، ممكن لا مستحيل!

أن تتنفس السعادة الأسرية.. ليس أمراً مستحيلاً كما تظن، لا يحتاج الأمر منك إلى أكثر من بعض الإجراءات، تدعمها ببعض المهارات، ليكون بيتك جنتك، تتنفس بين أركانه السعادة.

خطوات أضعها بين يديك - أخي القارئ - بعد مئات الاستشارات التي عالجتُها واستقرأتُها، لأستخلص منها هذه الخلاصة المتمثلة في 10 خطوات بسيطة وفعالة ستجعلك أكثر سعادة في بيتك، وستكون من خلالها قيِّماً على أسرة سعيدة بإذن الله.

 

أولاً- اختر شريك / ة حياتك بعناية: 

 

 

حسن الاختيار هو منصة الانطلاق في ميدان السعادة الأسريَّة، ولئن طال الخلل هذه المنصة فمن الصعب جداً الترميم بعد ذلك - ولا أقول بأنه مستحيل -.

من الخطأ أن يتمسك الشاب بفتاة أحَبَّها فرفضها أهله أو ردَّه أهلها؛ من الطيش أن يحارب الدنيا لأجلها كما توحي له بعض الأفلام والقصص والوقائع الاستثنائية النادرة! إنه يناور ويقامر ضمن هامش عريض من المخاطرة!

ومن الخطأ أن يعوِّل كثيراً على قاعدة (لي من الحزمة عود، والباقي...) فيختار المرأة الحسناء من منبت السوء!

 

(يا بَنيّ، الناكحُ مُغْتَرِس، فلينظر امرؤٌ حيث يضع غَرْسَه، والعِرق السّوء قلَّ ما يُنجِب إلا مثلَه)

[عثمان بن أبي العاص]

 

كذلك.. تخطئ الفتاة طريق السعادة حين تقبَل بشريك عمرها استناداً إلى الميزان التقليدي الذي يصفه بأنه: (من بيته إلى عمله، ومن عمله إلى بيته)، أو تكتفي بالحكم الساذج عليه من خلال حفاظه على عمله، أو بره بوالدته، أو حفظه لبعض القرآن أو كله...

من أراد السعادة الأسرية فليجتهد باختيار من تشاركه - أو يشاركها - مفردات الحياة بأكثر ما يمكن، كالمستوى الاجتماعي، والديني، والمادي، والفكري... لينطلق من هذه المنصة في ميدان السعادة وفق الخطوات التي تليها.

(قد يهمك: عندما تصير الخطبة خطوة للوراء 1 - 2)

 

ثانياً- حافظ على الاحترام المتبادل:

طبيعة الإنسان أنه ينفر من أماكن لا يُحتَرَم فيها، ولا يجد نفسه فيها مقدَّراً ولا مُكترَثاً به، والاحترام المتبادل بين الزوجين من أبجديات السعادة في الحياة الأسرية، وأي خلل يصيب هذا المحور يؤدي إلى نفور - حقيقي أو معنوي - من أحد الطرفين أو كليهما.

ويتسع هذا المفهوم ليشمل أكثر من منحى في الحياة، ومن ذلك:

احترام الذات: فلا استهزاء بالآخر، ولا تنقيص، ولا تهكُّم، ولا بذاءة، ولا تغامز، ولا شكوك متواصلة بلا أي مبرر...

احترام المشاعر: وتقدير الجانب العاطفي، والبوح بالمشاعر الإيجابية والاعتراف بالحب بشكل متواصل بين الزوجين.

احترام الحاجات: كالحاجة إلى الحب، والحاجة إلى الولد، والحاجة إلى التقدير، والحاجة إلى السكن والمؤانسة...

احترام الأهل: فلا سعادة بين زوجين لا يحترم كلٌّ منهما أسرة الآخر ورموزَها وأعرافها ومكانتها.

احترام الخصوصية: فالزواج لا يعني أبداً أن يكون كلٌّ من الزوجين صفحة مفتوحة أمام الآخر، فأسرار الزوجة مع أخواتها وصديقاتها بل حتى مع ذاتها يحصِّنها الزواج ولا يستبيحها! ومثل ذلك أسرار الزوج المتعلقة بعمله وصداقاته وعلاقاته الخارجية ونحو ذلك. (قد يهمك: الصراحة الآثمة)

 

ثالثاً- كن على قدر من المسؤولية:

قام قاضٍ شرعي في بلد عربي بإجراء استبانة شملت مائتي أسرة - أي: مائتي زوج، ومائتي زوجة - ، أظهرت أن أول ما تريده الزوجات من أزواجهن هو "تحمُّل المسؤولية".

 

 

نعم.. إذا أردنا اختصار الزواج في كلمة، ستكون هي "المسؤولية".

«كلُّكم راع، وكلُّكم مسؤول عن رعِيَّته...»

[حديث صحيح]

عندما يؤمن الزوج بالقاعدة التي تقول (مهامك.. لن يقوم بها أحد غيرك) سيرتاح ويُريح، سيسعَد ويُسعِد؛ سيرى زوجته تتفنَّن بإسعاده حين يكون رفيقها في الظروف الصعبة؛ يكف عنها لؤم مواقف الحياة ويحميها في الشدة والرخاء، في حين يترك غيره أعباء البيت على كاهل زوجته تنوء بها وتشتكي منها!

عندما تحمل الزوجة مسؤولياتها التربوية والزوجية والبيتية مَحمَل الجد، سترى السعادة تزحف إليها من كل حدب وصوب، سيرتد إليها صدى هذه الجديَّة الحياتية سعادةً وطمأنينةً وراحة.

عندما يعرف الزوج أن رفضه لفرصة عمل تقصيه عن زوجته وأولاده، وتدعوه للغياب عنهم الشهور ذوات العدد، حين يعرف أن رفضه هذا هو نوع من الواجب، وليس النافلة التي يُشكر عليها..! يمكن عندها أن نقول بأنه زوج مسؤول. (قد يهمك: الزوج الصالح)

عندما تجعل الزوجة بيتها أولويَّة، لا يتقدَّم عليه عمل، ولا أهل، ولا صداقة، ولا جيرة، ولا حتى التطوير الشخصي... يمكن أن نصفها عند ذلك بالزوجة المسؤولة.

هذا، ومن أهم المسؤوليات: إدارة الجانب المالي (اقتصاد الأسرة) بشكل جيد، فأكثر من 50% من مشكلات الأسرة ترجع في جذورها لأسباب مادِّية، ولا يمكن تحقيق سعادة أسرة تئن تحت وطأة الاحتياج المالي، كما أن الوفرة المالية وحدها لا تكفي - بالضرورة - لإسعادها!

 

رابعاً- بادر بالاهتمام بالآخر:

شئنا أو أبينا.. الإنسان عبد الاهتمام، يحبُّ من يهتمّ لشأنه، من يتابعه ويثمِّن مجهوداته ويثني على إيجابياته ويتذكر مناسباته ويقدّر اهتماماته..

 

 

الاهتمام أحد أركان السعادة بين الزوجين؛ حتى وإن لم يكن الحب موجوداً بينهما! فانعدام الحب لا يعني - بالضرورة - انعدام السعادة بينهما، والاهتمام كفيل بأن يزرع الحب في قلب كل منهما، ولو كان تكلفاً أول الأمر.. لكنه بالصبر والمثابرة سيؤتي أكله - بلا شك - ولو بعد حين. (الفراغ العاطفي بين الزوجين)

الزوج المهتم.. يتفنن في كسب قلب زوجته، يشاركها اهتماماتها وهمومها - وإن دقَّت -، يبدع في الحفاظ على مكانتها في بيتها، والإبقاء على ما يليق بها في محيطها، ليكون مصدر افتخارها أمام من حولها..!

الزوجة المهتمة.. تحفظ ظهر زوجها وشرفه، وترعى بيته وتعتني بولده، وتتعامل بشكل جدي مع ما يجنيه فلا تبذر له المال هنا وهناك.. يهمُّها سمعته، ومظهره، وراحته، وعفافه، ورضاه، واكتفاؤه العاطفي والجنسي... (قد يهمك: الزوجة الصالحة)

 

خامساً- أتقن ثقافة الحوار:

الحوار كلمة سرٍّ بين الزوجين، كفيلة بحل أكثر المشكلات تعقيداً في حياتهما، بل غالباً ما يكون هو الأسلوب الأمثل للحل والتقارب، ما دام بهدوء، وموضوعية، وتوازن، بعيداً عن إملاءات الآخرين وضغوطهم.

 

 

إن معظم حالات الطلاق الحقيقي التي عاينتها واقعاً كانت مسبوقة بحالات من الطلاق المعنوي أو الطلاق العاطفي، بمعنى أن يتشارك الزوجان المسكن والفراش من دون أي تواصل لفظي أو عاطفي أو جسدي، يعيشان فترة لا يتبادلان فيها الآراء ولا العواطف ولا حتى الكلام العام..

وقد خضت نقاشات مع عدد لا بأس به ممن قرروا الفراق أو أوقعوه؛ لا يعرفون الأسباب الحقيقة التي أوصلتهم إلى هذا الخيار المؤلم، بل كل منهم يعمل على أساس: (فكرت، وظننت، وقلت لنفسي...).

 

(الحوار العائلي جزء أساسي في الحياة الأسرية،

حين تفتقده الأسرة تصبح أكثر عرضة للأمراض والمشاكل الاجتماعية صغيرها وكبيرها)

[د.جاسم مطوع]

 

سادساً- كن مرناً:

أو فلنقل: كن رفيقاً، كن سياسياً، لا تتشبث بالقشور، لا تكبِّر الصغائر حتى لا تضطر لتصغير الكبائر، لا تفرض حلاً واحداً لكل مشكل، بل اقترح أكثر من خيار للمشكلة الواحدة، وحاول النظر إلى المجريات والأحداث بأكثر من زاوية لتوازن بين الإيجابيات والسلبيات لكل صورة، مع التوازن بين العقل والعاطفة، بين المثالية والواقع، بين الممكن والمأمول.

الزوج القاسي ضيق الأفق، بنفسيته "العسكرية" يُتعِب نفسه ويُتعِب من حوله، ولا يكاد يفتح عيونه على الدنيا حتى يجد مَن حوله قد تخلوا عنه وتركوه لمصيره يواجه نتيجة قسوته وحيداً!

 

سابعاً- حافظ على الاستقرار:

قد يكون هذا المصطلح "الاستقرار" هو أول ما يتبادر إلى الذهن حين نذكر الزواج، فالزواج استقرار في كل ما تحمل الكلمة من معنى، ومهما كان هذا المفهوم أشمل كانت السعادة كذلك أوسع.. 

 

 

فالاستقرار الزوجي لا يكون إلا باستبعاد خيار الطلاق تماماً، والكف عن التهديد به وإشهار سيفه كلما اهتز في البيت غصن!

والاستقرار النفسي في البيت لا يكون أبداً مع انفعالات متكررة وردات فعل متوترة، ونوبات عصبية ومزاجية تعصف بالأخضر واليابس! (قد يهمك: مجرد مزاج)

والاستقرار الجنسي ينعدم مع زوج تائه بين غرائزه غير منضبط بالشريعة، وزوجة خرَّاجة ولاَّجة تغضب - تحرد - في بيت أهلها الأيام ذوات العدد غير آبهة باحتياجات زوجها، بل ربما تعيها تماماً ولكنها تستعملها كورقة ضغط! (ضعف العلاقة الخاصة بين الزوجين)

 

ثامناً- كن إيجابياً:

حاول اصطياد الإيجابيات في حياتك الأسرية، حاول أن تدير النظر في الجانب المشرق في أسرتك، أن تضيء نقاط القوة الداعمة لمسيرة السعادة في ثنايا البيت، فاليوم - وللأسف - نرى الأزواج والزوجات بارعين في اصطياد السلبيات، وهذا ما يعكر على السعادة صفوها.

 

تاسعاً- تمسك بمرجعيتك الداخلية:

وأعني بها الاستقلال بالقرار العائلي عن الأهل والمجتمع، فالصورة الذهنية المعَدَّة مسبقاً والحلول الجاهزة وردود الأفعال التقليدية قد تلعب دوراً سلبياً في إدارة الأسرة ودفعها نحو هاوية التفكك.

 

 

فتاة تتزوج شاباً يصغرها سناً.. أو لا يعادلها قامة.. أو لا يكافؤها شهادة.. تحتكم إلى نظرة المحيط للحالة الخاصة بها، فتصير حياتها جحيماً لا يطاق!  (بحث في: الكفاءة في الزواج)

فتاة أخرى تجعل أمها أو أحد أفراد أسرتها مرجعاً لها في كل صغيرة وكبيرة، لتسرِّب أسرار زوجها وخفايا بيتها بالجملة كل ما "دق الكوز بالجرة" بينهما!

شاب يضع ميزانه الزوجي على أساس عرض أفعال زوجته على جملة سلوكيات أمه، ويبني ردة فعله على أساس ردود أفعال أبيه، فما إن تتصرف زوجته بتصرف حتى تتم عملية المعالجة الدماغية على جملة الصور الذهنية لسلوك الوالدة الكريمة، ثم ردات فعل الوالد الكريم عن طريق الأسئلة الآتية:

- هل تفعل أمي ذلك؟ أو مثله؟ أو قريباً منه؟

- ماذا يفعل أبي لو فعلت معه أمي الشيء ذاته؟

- ما رأي أصدقائي لو عرفوا بأن زوجتي فعلت ذلك معي؟

- هل يليق بي - وأنا فلان بصفتي - أن تحدثَني زوجتي بهذه الطريقة؟ 

- ماذا سيقول الناس عني لو انتشر أن زوجتي قالت لي تلك الكلمة؟

 

فتاة تقارن نفسها بغيرها، وبيتها ببيت أختها، ولباسها بلباس جارتها، ونفقتها بنفقة زميلتها.. ثم ترجع على ذلك الزوج المسكين بقائمة الطلبات.. أو يدفع ثمنها بتحمُّل النكد المشروع من زوجته بسبب تقصيره وعجزه أن يجعلها كمثيلاتها - بزعمها - !

 شاب يُتلِف زوجته لرضا والديه أو أحدهما، يظلمها ليرضيهما، يتعبها دائماً ليريحهما، لتكون كقط من خشب، يصطاد ولا يأكل! تحصِّل له الرضا ولا تستفيد منه!

 

هذا الاحتكام إلى المرجعية الخارجية يتعِب الأسرة، وييُفقدها بوصلة السعادة، لتلهث في تحقيق رضا الغير.. دونما جدوى!

 

عاشراً- تمتع بالمرجعية الشرعية:

وهذه كلمة السِّر في أي سعادة تريد تحصيلها في هذه الحياة، تذكَّر أن الرابط بينك وبين زوجك والحاكم حين تزوجتها هو (كتاب الله وسنة رسوله)، فإذا كان ما بينك وبين الله عامراً كان ما بينك وبين خلقه كذلك.

(إذا كان شرع الله حاكماً بينك وبين زوجك تولى الله التوفيق بينكما،
وإذا رُفِعَ شرعُ الله من البيت تولى الشيطان التفريق بينكما)

[د. محمد خير الشعال]

زوج يعدُّ متابعتَه للأفلام الهابطة نوعاً من الحرية الشخصية التي لا علاقة لزوجته بها!

زوجة تنصِّب نفسها مسؤولة عن علاقات زوجها، وعبادته، واتصالاته، وقراراته..!!

زوج يرى أن تجاوزه الحدود الشرعية مع أخت زوجته أو تصرفاته غير اللائقة مع زوجة أخيها أو حتى مع زميلاته في العمل أو جاراته... نوع من السلوكيات المجتمعية التي لا يُقبَل من زوجته فيها سوء الظن!

زوجة تعتبر اختلاطها المفتوح مع الغرباء في بيئة العمل، أو تواصلها مع الأجانب عن طريق مواقع التواصل الحديثة في غياب زوجها.. نوعاً من التسلية وملء الوقت!

هذا كله مخالفات شرعية تنعكس ضنكاً على الحياة الأسرية، لتحيلها صحراء قاحلة، وفق قانون إلهي محكم وسنة ماضية تقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124].

في حين أن مراعاة المرجعية الشرعية بين الزوجين يقي الأسرة من الفتن، ويحفظها عند المحَن، ويدفع عجلتها نحو الهدوء والسعادة والاستقرار.

 

هذه 10 خطوات بسيطة وفعالة ستجعلك سعيداً في بيتك:

1-         اختر شريك / ة حياتك بعناية

2-         حافظ على الاحترام المتبادل

3-         كن على قدر من المسؤولية

4-         بادر بالاهتمام بالآخر

5-         أتقن ثقافة الحوار

6-         كن مرناً

7-         حافظ على الاستقرار

8-         كن إيجابياً

9-         تمسك بمرجعيتك الداخلية

10-       تمتع بالمرجعية الشرعية