بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أرحب بالإخوة الطلاب والسادة الضيوف، وأهنئ الطلاب والأهالي معاً بهذا التفوق العامر الذي يشهدوه كثمرة لجهد دؤوب وعزم شديد..
هذا الجهد الطيب والنتائج المشرِّفة هي المنتظرة منكم يا شباب، فأنت -يا أخي- من أفرد الله تعالى في القرآن الكريم سورة كاملة لذكر أمثالك من الشباب المؤمنين -وهي سورة الكهف-، شبان من أبناء أشراف الروم ومُنْعَمِيْهم، هجروا عبادة الأصنام التي ابتلي بها قومُهم، وتركوا الموبقات التي ماج بها مجتمعهم، فأُرِيْدَ بهم السوء، ففَرُّوا بدينهم وهربوا إلى ربهم لا يلتفتون إلى شهوات الدنيا ولذائذها، ولا يخافون لومة لائم، فكان أن ثبتهم الله تعالى وجعلهم آية للعالمين.
وأنزل الله سورة أخرى ذكر فيها قصة شاب عفيف، أصيب بأنواع المصائب: (حسد - رق - سجن - ظلم - مغريات - كيد...) ثم بعدها فتح الله له آفاق السعة والملك، وأعزه بعد نجاح مشرف، استحق به أن تكون قصته آيات تتلى آناء الليل وأطراف النهار.. إنه سيدنا يوسف، أمير الشباب.
كذلك أنزل الله سورة باسم فتاةٍ مؤمنة، نزل بها الضيق حتى قالت: {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}، ثم بعد ذلك جعلها الله سيدة نساء الجنة، وهي المرأة الوحيدة التي ذكرها في القرآن الكريم بصريح اسمها، وأنزل عليها الملائكة، واصطفاها على نساء العالمين. إنها السيدة مريم.
ولم يقتصر الأمر على نزول السور المسماة بالشباب، والتي تتناول قصصهم، بل لما بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم حفَّه بالشباب أمثالكم، تعالوا معي يا شباب ننظر في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأوائل، لا تجدوا فيهم إلا بضعةَ أشخاص ممن كانوا أكبر سناً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباقون كلهم كانوا أصغر منه سناً كما قال أبو الأعلى المودودي.
انظروا معي إذا سمحتم:
- أبو بكر الصديق: أسلم وعمره 38 سنة
- عمر الفاروق: أسلم وعمره 26 سنة
- عثمان: 20 سنة
- علي: دون العاشرة
- سعد بن أبي وقاص: 17 سنة
- صهيب:19 سنة
- زيد بن حارثة: 20
- أبو عبيدة بن الجراح: 27
- عبد الرحمن بن عوف: 30
- معاذ بن جبل: مات وعمره 33
- وفاطمة ماتت وعمرها 29 سنة.
ولا يقتصر الأمر على عامة الصحابة الكرام، بل كان أعلام الصحابة وعلماء عصر النبوة شباباً أمثالكم، منهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس... رضي الله عنهم أجمعين.
روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن عكرمة قال: قال ابن عباس: ( لما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاب، قُلتُ لشاب من الأنصار: هلُّمَ فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنتعلم منهم، فإنهم اليوم كُثر، فقال يا عجباً لك يا ابن عباس؟ أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟
قال: فترك ذاك وأقبلتُ أنا على المسألة وتَتَبُعِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كنت لآتي الرجلَ في الحديث يبلغني أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده قائلاً -أي نائماً منتصف النهار-، فأتوسدُ ردائي على بابه تسفي الريح على وجهي التراب حتى يخرج، فإذا خرج قال: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فأتيتك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن أتيك، بلغني حديث عنك أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحببت أن أسمعه منك.
فكان الرجل يراني بعد ذلك وقد ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع حولي الناس يسألونني، فيقول:هذا الفتى أعقل مني).
لذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا رأى الشباب يطلبون العلم قال: (مرحباً بكم ينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خُلقَان الثياب، جدد القلوب، جلس البيوت، ريحان كل قبيلة) [شعب الإيمان]
وكان أبو إسحاق السبيعي -وهو من كبار التابعين- يقول: (يا معشر الشباب اغتنموا قوتكم وشبابكم ، قلّما مرت بي ليلةٌ إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس). [سير أعلام النبلاء].
إخوتي الشباب...
هذا ربيع عمركم وأوسطه، ووسط كل شيء أحسنه، فالصغير يرنو ببصره إلى مرحلة الشباب ويتطلع إليها، والكبير يلتفت إلى مرحلة شبابه -وخصوصاً إن لم يكن أفاد منها- يتحسر عليها قائلاً:
ألا ليت الشبابَ يعود يوماً |
فأخبره بما فعل المشيب |
أنتم -يا إخوتي- ذخيرة الوطن وأمله، ذلك لما تتمتعون به من القوة والطاقة والحيوية والنضارة، واقرؤوا التاريخ لترون كلُّ دعوات الإصلاح قامت على أيدي الشباب، بل إن حَمَلَة الدعوات وحُمَاة الرسالات كانوا شباباً.
كيف لا، والله تعالى يقول: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} يعني: نطفة ثم علقة ثم أجنَّة وأطفالاً {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} يعني: فتياناً وشباباً ورجالاً {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم 54]
ولئن كان الضَّعف والضُّعف -قراءات- ينزل بالعقل والبدن، فإن قوة الشباب هي قوةٌ في العقل، وقوةٌ في البدن، وهكذا ينظر إليك ربك كما بدا في كتابه، فكيف أنت واقعاً؟!
نعم، أنت قوة في العقل تحمل همومَ الأمةِ الثِقال، وقوةٌ في البدن تعينه على تحقيق الآمال، ألا ترى أصحاب الرسالات كلَّهم كانوا شباباً، صمدوا بمعونة الله، ثم بقوة عقولهم وأبدانهم أمام مغريات الحياة ومخاوفها؛ ليحققوا سعادة الإنسان على هذه الأرض.
- ويقول ابن قيم الجوزية: (لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم أن يزيله لأزاله).
- ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: (ما رام امرؤ شيئاً إلا وصل إليه، أو دونه).
لذلك لما أراد أعداء المسلمين أن يفتكوا بالأمة وجهوا سهامهم نحو الشباب، فصوروا الشاب أنه ضعيفٌ أمام شهواته، ضعيفٌ أمام إغراء المال والنساء، ينهار أمام كأسٍ وغانية، ويتساقط على أبواب الحانات والبارات.
لا.. أنت أيها الشاب قويٌّ فلا تَضْعُف، عزيز فلا تَذِلّ، كبير فلا تَصْغُر.. إن تمسكت بالإسلام سيزيدك الله هدى وسيربط على قلبك، فقدِّم لله تعالى أحسن ما عندك ليعطيك الله أحسن ما عنده.
وأنتم -أيها الأهالي- ادعموا شبابنا المتعلم، ادفعوهم نحو العلم، تبنُّوا عباقرة الشباب ادعموهم مالياً ومعنوياً واجتماعياً، فإن المؤسسات التجارية الكبرى في الغرب هي التي تدعم الأبحاث العلمية -كما تعلمون-، هي التي تحتضن العلماء الشباب، هي التي ترعاهم وتكتنفهم.
اختم حديثي بخمس نصائح:
- العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه.
- العلم الذي يجعلك تتيه على الآخرين ما هو إلا نوع من الغرور.
- العلم الذي لا يتصل بما ينفعنا في ديننا ودنيانا نوع من الترف المذموم.
- الشهادة التي تنالها من جامعتك ما هي إلا مفتاحُ العلم، وليست العلم.
- العالم والمتعلم شريكان في الأجر، ما دام العالم يعلم الآخرين ولا يَضنُّ بعلمه عليهم، وما دام المتعلم يحترم معلمه وما يأخذهُ منه.
والحمد لله رب العالمين